في مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، يصيح رجل وسط ركام منزله بعد غارة جوية إسرائيلية "أين أولادي؟ حرام يا عالم أين الأولاد؟".

في القطاع الفلسطيني المحاصر، "عادت الحرب بكل شراسة" الجمعة، وفق ما يقول أنس أبو دقة (22 عاما) الذي خسر هو أيضا منزله لوكالة فرانس برس.

مع انتهاء الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس صباح الجمعة واستئناف العمليات العسكرية، بدأ الفلسطينيون من رجال ونساء وأطفال الفرار مجددا.

وانتهت عند الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش الهدنة التي بدأ سريانها بين حركة حماس وإسرائيل في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، وأتاحت إطلاق سراح عشرات الرهائن المحتجزين في قطاع غزة لقاء ثلاثة أضعاف عددهم من الاسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

Advertisement

استأنفت إسرائيل في تمام الساعة السابعة بالتوقيت المحلي عمليات القصف التي شنتها بصورة متواصلة على مدى سبعة أسابيع قبل الهدنة، وبدأ سكان غزة بالفرار بأعداد غفيرة.

ويهرب سكان القطاع على دراجات نارية أو هوائية أو في عربات، إنما في معظم الأحيان مشيا حاملين أكياسا بلاستيكية فيها بعض المقتنيات، ويسيرون في طوابير طويلة تعرقل تقدمها بعض الحوادث وسط الفوضى المخيمة.

- "كنا نائمين" -

وقالت مروة صالح (47 عاما) التي فرت من غزة إلى مدينة خان يونس (جنوب) "القصف في كل مكان ولا يوجد أكل ولا شرب ولا ملابس، المحلات فارغة والجو بارد والمعبر مغلق" إلى مصر.

وتساءلت متحدثة لوكالة فرانس برس "متى سينظر لنا العالم على أننا بشر؟ أنا وعائلتي مدنيون ولسنا طرفا في هذه الحرب".

Advertisement

وتعهدت إسرائيل "القضاء" على حركة حماس ردا على هجوم غير مسبوق شنته الحركة داخل أراضي الدولة العبرية في 7 تشرين الأول/أكتوبر أوقع 1200 قتيلا معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول من الهجوم، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وردت إسرائيل بحملة قصف مدمر وهجوم بري واسع النطاق، ما أدى إلى مقتل أكثر من 15 ألف شخص، بينهم أكثر من ستة آلاف طفل.

وبعد بضع ساعات فقط من انتهاء الهدنة، أعلنت وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس سقوط أكثر من ستين قتيلا بينهم أطفال جراء القصف الإسرائيلي في قطاع غزة.

ونزح 1,7 مليون شخص من سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة من الشمال، المنطقة الأكثر دمارا، إلى الجنوب، فيما تضررت أكثر من 50 % من المساكن أو دمرت بالكامل جراء الحرب وفق الأمم المتحدة.

Advertisement

وفي مستشفى ناصر في خان يونس، قال أنس أبو دقة لخدمة ا ف ب تي في "تعرضت منازلنا للقصف ونحن في داخلها، ولدينا تقريبا سبع إصابات، منازلنا دمرت بكاملها ونحن في داخلها".

وأوضح أحد أقربائه جميل أبو دقة وقد ضُمّد رأسه "كنا في المنزل عندما بدأ القصف. تعرضنا لقصف جوي" مضيفا "دمروا دارنا، وهذا منزلنا الثاني الذي يدمر".

من جهتها قالت آمال أبو دقة واضعة حجابا ملطخا بالدم "كنا نائمين في منازلنا حين استهدفوا المنزل فجأة" وأضافت وهي تبكي "لا أعرف ما حصل بأولادي وبناتي" مضيفة "محوا المنطقة التي نسكن فيها بالكامل".

تجلس لينا حمدان البالغة عشر سنوات على أحد أسرّة المستشفى المكتظّ بالمصابين، وتروي باكية "كنت نائمة حين سمعت دويّ قصف، بدأ أشقائي بالصراخ".

- "المستشفى يعمل بـ200% من طاقته" -

وحذر الناطق باسم اليونيسف جيمس إدلر لصحافيين في جنيف عبر اتصال بالفيديو من غزة بأن "عدم التحرك يعطي الضوء الأخضر لقتل الأطفال" مضيفا "من غير المسؤول التفكير بأن هجمات جديدة على الشعب في غزة قد تؤدي إلى أي شيء آخر سوى مذبحة".

Advertisement

وكان إدلر قال في فيديو صُوّر في مستشفى بقطاع غزة ونشره قبل ساعة من انتهاء الهدنة في الساعة 5,00 ت غ الجمعة "يمكننا منذ الآن سماع دوي قصف، استهدفت ضربة منطقة على مسافة حوالى خمسين مترا من هنا".

وتابع "هذا المستشفى هو أكبر مستشفى لا يزال في الخدمة، وهو يعمل حاليا بـ200% من طاقته، لم يعد بإمكانه ببساطة استقبال المزيد من الأطفال الجرحى جراء الحرب، هناك في كل أرجائه أطفال كانوا نائمين حين سقطت قنبلة على مسافة خمسين مترا من هنا".

من جهتها، تقول منال محمد التي نزحت من مدينة غزة وتعيش اليوم مع عشرات الأقرباء في منزل في حي تل السلطان في رفح، إنها لم تعد تدري ما ينبغي أن تفعله.

شكت لوكالة فرانس برس "ظننّا أن الهدنة ستستمر وسنرجع إلى بيوتنا، لكنهم لا يريدون أن نعيش أصلا" مضيفة "يقولون للناس اذهبوا إلى جنوب قطاع غزة، ثم يقولون للجنوب اذهبوا إلى غرب المدينة، ويقصفون. أين نذهب؟".

Advertisement

ولا تراود مروة صالح سوى فكرة واحدة: "لا أريد أن أموت ولا أريد أن أفقد أحدا".