راهنت روسيا على الطاقة في مواجهتها مع القارة الأوروبية التي تصاعدت بعد اجتياحها لأوكرانيا، لكن أوروبا تمكنت من الفوز في حرب الطاقة هذه، وأثبت اقتصاد هذه الدول أنه أكثر استقراراً في مواجهة روسيا بشكل فاق حتى توقعات القادة الأوروبيين أنفسهم، كما ترى صحيفة “وول ستريت جورنال” في مقال نشرته يوم الأحد. 

والسؤال المطروح حالياً على القادة الأوروبيين هو ما إذا كانوا يريدون فعلاً أن تنتصر أوكرانيا في تصدّيها للغزو الروسي.

خشية على الدعم الأميركي   

Advertisement

ويعكس الخلاف بين ألمانيا والعديد من حلفائها في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك الولايات المتحدة، حول تزويد كييف بدبابات ليوبارد 2 “Leopard 2″، ألمانية الصنع، التباينات المستمرة بين القادة الغربيين حول مخاطر الحرب الروسية على أوكرانيا. وبالرغم من اختلاف آراء الخبراء العسكريين حول مدى أهمية ليوبارد 2 للقوات الأوكرانية، أصبحت الدبابات رمزاً سياسياً لما إذا كانت أوروبا مستعدة لدعم أوكرانيا بما يكفي للفوز.

وترى الصحيفة أن سلوك ألمانيا الحذر في تسليح كييف، والمتأثر بالسياسة الداخلية والخوف من التصعيد النووي الروسي، يتعرض لضغوط من دول في شمال وشرق أوروبا المتخوفة من تصعيد روسي متوقع بعد الشتاء، كما تشعر بعض هذه الدول أيضاً بالقلق من التعويل على الدعم الأميركي المستمر لأوكرانيا، حيث من الممكن أن يتأثر هذا الدعم بتوازنات السياسة الداخلية للولايات المتحدة. وبالرغم من أن الكونغرس الأميركي أجاز بالفعل حزمة تمويل ضخمة لهذا العام، فإن معارضة الجمهوريين لمليارات إضافية لكييف قد تعقّد المزيد من المساعدات العسكرية في المستقبل، عدا عن أن الانتخابات الرئاسية في العام المقبل قد تؤدي إلى تغيير في السياسة. 

Advertisement

ومما لا شك فيه أن ساحة المعركة وما ستحمله الأيام القادمة من تغيرات في نقاط السيطرة سيظهر ما إذا كان تدفق الأسلحة والذخيرة الغربية، بما في ذلك ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة التي تم التعهد بها في اجتماع الجمعة لمسؤولي الدفاع في قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية في ألمانيا، كافيا لإيقاف الهجمة الروسية الكبيرة القادمة، أو ربما تمكين أوكرانيا من استعادة المزيد من أراضيها.

Advertisement

إحباط من ألمانيا  

وعلى الرغم من تقديم ألمانيا شحنات كبيرة من الأسلحة والذخيرة لأوكرانيا، وكونها أحد الداعمين العسكريين الرئيسيين لأوكرانيا في أوروبا إلى جانب المملكة المتحدة، طغى الإحباط من برلين في عواصم أخرى.

قدم المسؤولون الألمان أسبابهم لعدم الموافقة على تسليم ليوبارد 2، من الخدمات اللوجستية والرأي العام إلى مخاطر الحرب النووية مع روسيا. وقال شولتز ومساعدوه في عدة مناسبات إن برلين يمكن أن توافق على إرسال الدبابات فقط إذا قامت الولايات المتحدة بإرسال دبابات أبرامز، التي قالت إدارة بايدن إنها غير عملية بالنسبة لأوكرانيا.

ويعكس تحفّظ برلين المتكرر بشأن الأسلحة التي تمنحها لأوكرانيا أسلوب تعاملها مع بعض الأزمات الأوروبية السابقة. ويتوقع العديد من المراقبين أن تتراجع برلين عن مقاومتها في اللحظة الأخيرة تحت ضغط دولي هائل. وتنقل وول ستريت عن فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص في مؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس، قوله “إذا لم تستسلم ألمانيا، فسنواجه أزمة كبيرة في الناتو”.

Advertisement

وتسعى أوكرانيا للحصول على مساعدات عسكرية أسرع، وتنتقد الحذر الغربي وتقول إنه يودي بحياة أوكرانيين. في المقابل، تحذّر الدول الأوروبية، التي ترغب في تسريع عمليات تسليم الأسلحة بما في ذلك المملكة المتحدة، من أن هناك خطرا في تحول الحرب إلى مواجهة طويلة ودموية ما لم يتمكن المدافعون عن أوكرانيا من توجيه ضربة قاضية لقوة الغزو الروسي.

أوروبا ربحت رهان الطاقة   

قبل بضعة أشهر فقط، كانت العديد من الحكومات الأوروبية تخشى أنها قد لا تكون قادرة على الحفاظ على سياساتها الخاصة بدعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا لفترة أطول، حيث هددت أزمة الطاقة، بعد أن أوقفت روسيا شحنات الغاز الطبيعي، بإغراق أوروبا في ركود عميق، واندلاع ردود فعل عنيفة في المجتمعات التي تكافح لدفع ثمن التدفئة والضوء. ولكن مع تمكّن أوروبا من تجاوز أزمة الطاقة التي كانوا يتخوفون منها، وجد القادة الأوروبيون متنفساً اقتصادياً وسياسياً للاتفاق على استراتيجية أكثر حسماً، إذا كانوا يريدون واحدة بالفعل. 

Advertisement

من جهته، لطالما سعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تعزيز الانقسامات داخل الديمقراطيات الأوروبية وفيما بينها، حيث رأى في تصميمها السياسي غير المستقر نقطة ضعف يمكنه استغلالها في سعيه لاستعادة النفوذ الجيوسياسي لروسيا. ولكن استراتيجيته المتمثلة في استخدام برد الشتاء لترسيخ الشقاق من خلال نقص الطاقة لم تنجح وتمكنت أوروبا من العثور على إمدادات طاقة بديلة، كما تسبب المناخ المتغير في المنطقة في شتاء معتدل آخر.

Advertisement

ونتيجة لما سبق، يتراجع احتمال حدوث ركود اقتصادي في أوروبا. وتنقل الصحيفة عن أندرو كانينغهام، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في كابيتال إيكونوميكس في لندن، قوله “لقد فوجئنا بمدى مرونة الاقتصاد”، مضيفاً أن الأمر تطلب مزيجاً من الحظ والجهد، حيث ساعد الطقس جهود خفض استهلاك الطاقة وإنفاق الحكومات بكثافة لإيواء الأسر والصناعة من الفواتير المرتفعة، ومع اندفاع الدول لبناء بنية تحتية جديدة للطاقة “هناك فرصة معقولة ألا تكون هناك صدمة أسعار أخرى مثل عام 2022”.

وبالرغم من اندلاع احتجاجات ونزاعات على الأجور وإضرابات في العديد من البلدان الأوروبية بسبب التضخم، إلا أن ذلك لم يقوض الدعم الشعبي لمساعدة أوكرانيا. وتدعم الغالبية العظمى من الناخبين في جميع الدول الكبرى في أوروبا سياسة تسليح كييف، وتمويل ميزانيتها ومعاقبة موسكو، وفقاً لاستطلاع شمل 26 ألف شخص أجرته سلسلة استطلاع “يوروباروميتر” للاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الثاني. 

وبحسب الاستطلاع، فإن ثلاثة من كل أربعة من مواطني الاتحاد الأوروبي يوافقون على دعم الكتلة لأوكرانيا، فقط 7 بالمائة لا يوافقون بشدة. وعدد قليل من دول الاتحاد الأوروبي الصغرى، بما في ذلك اليونان وسلوفاكيا، تعارض الأغلبية هذه السياسة. واللافت أنه في المجر، التي منع زعيمها فيكتور أوربان شحنات الأسلحة وانتقد العقوبات، يوافق معظم الناس على جهود الاتحاد الأوروبي لتسليح أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا.

وفي ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، وجهت زيادة أسعار الغاز في العام الماضي ضربة قوية للصناعات التي تحتاج الطاقة مثل التعدين والكيماويات، ولكن مجالات أخرى من الصناعة الألمانية تتعافى بفضل تخفيف قيود سلسلة التوريد العالمية التي أعقبت جائحة كورونا، ويقول الاقتصاديون إن التحسن العالمي، بما في ذلك الصين، يُبشر بالخير أيضاً للصادرات الألمانية.