وفي بلد يعاني أصلاً من تقلص القوة العاملة بسبب استمرار انخفاض معدلات المواليد، يعني الصراع المزيد من الصعوبات التي قد تستمر لسنوات.

وقال أليكسي راكشا، المختص في علم السكان والذي عمل سابقاً في وكالة "روسستات" للإحصاء، إنّ روسيا "تفتقر إلى العمال. إنها مشكلة قديمة لكنها تفاقمت بسبب التعبئة للحرب والرحيل الجماعي".

وأدت تعبئة الآلاف من الرجال للمشاركة في الغزو إلى خروجهم من سوق العمل، فيما دفعت العديد من أكثر الفئات تحصيلاً علمياً إلى الفرار من البلاد.

Advertisement

وورثت روسيا معدلات مواليد منخفضة مع انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات، عندما انخفضت معدلات المواليد إلى النصف بسبب الصعوبات الاقتصادية والشكوك حول مستقبل البلاد.

ومنذ ذلك الحين، حاول بوتين حضّ العائلات على إنجاب أطفال، مبشّراً بـ"القيم التقليدية" كطريقة لحل ما يعتقد أنه أزمة وجودية. وفي إطار جهوده لتعزيز النمو السكاني، أعلن تقديم مكافأة مالية للعائلات بدءاً من الطفل الثاني.

أثر جائحة كورونا

من جانبها، قالت ناتاليا زوباريفيتش، الخبيرة في "جامعة موسكو الحكومية": "لا نعرف حجم الخسائر جرّاء العملية العسكرية بالتحديد، لكن تمّت تعبئة 300 ألف شخص، ما قلّل بشكل أكبر من عدد الشباب العاملين".

في حين قال الخبير الديموغرافي إيجور يفريموف، إنّ "الخسائر في ساحة المعركة تأتي عقب جائحة فيروس كورونا التي ضربت روسيا بشدّة".

Advertisement

ولفت إلى أن الأرقام الرسمية "تفيد بأنّ الوفيات الناجمة عن  الفيروس في روسيا بلغت حوالى 400 ألف، لكن يعتقد أنّ الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير".

ونظراً إلى تقلّص القوة العاملة، لا يعتبر معدل البطالة المنخفض في روسيا البالغ 3.5 % علامة صحّية، ويظهر بدلاً من ذلك نقصاً في الأيدي العاملة مع معاناة القطاعات المختلفة لملء الوظائف.

وأكّد إحصاء نشره البنك المركزي الروسي في 19 أبريل الماضي، أن ضغوطاً "شديدة" تعانيها البلاد، خصوصاً في مجالات الصناعات التحويلية والنقل وإمدادات المياه.

ولم تقدّم السلطات الروسية تقديرات محدّثة للخسائر البشرية التي تكبّدتها قواتها في أوكرانيا منذ سبتمبر 2022، عندما أفادت وزارة الدفاع بسقوط 5937 جندياً، لكن تقديرات غربية ترجح سقوط حوالى 150 ألف بين ضحية وجريح من كلّ جانب.

Advertisement

نقص العمال 

وأظهرت دراسة أجرتها المدرسة العليا للاقتصاد الشهر الماضي، أنّ روسيا في حاجة إلى استقبال ما بين 390 ألفاً و1.1 مليون مهاجر سنوياً حتى نهاية القرن لتجنّب انكماش سكّاني.

لكنّ بعض القطاعات، لن تكون قادرة على تعويض نقص العمال، خصوصاً الصناعات التي تتطلّب شهادات عليا.

وفرض قانون أقرّ حديثاً قيوداً اقتصادية على المتهرّبين من الخدمة العسكرية، وهو أمر من شأنه تشجيع أولئك الذين فرّوا إلى الخارج على الاستقرار في بلد إقامتهم بشكل دائم.

وقال راكشا إنّ الصراع في أوكرانيا تسبّب في موجتين من المغادرة، مع رحيل العديد من الأشخاص الحاصلين على شهادات عليا، بمن فيهم متخصصون في تكنولوجيا المعلومات.

وقدّر بأنّ حوالى 150 ألف شخص، بينهم نحو 100 ألف رجل، غادروا روسيا في فبراير ومارس 2022، بعد أسابيع فقط من اندلاع الحرب، فيما يقدّر أنّ نصف مليون آخر غادروا البلاد، بعدما أعلن بوتين التعبئة في سبتمبر.

Advertisement