"ضاعت طفولتي!" بهذا الكلام المرير تختزل أناستاسيا، الفتاة الأوكرانية البالغة 14 عاماً، حياتها في ظل الحرب في بلادها.

وتوضح الشابة "سلبتني جائحة كوفيد والحرب طفولتي التي كانت لتكون سعيدة لولا ذلك".

وبسبب إقفال المدارس، تواظب اناستاسيا على ممارسة الرياضة في إحدى آخر القاعات التي ما زالت مفتوحة في مدينة خيرسون الجنوبية.

وتؤكد أنّ الرياضة تشكل "متنفساً" لها من القصف الروسي اليومي على المدينة، قائلةً "الرياضة تلهيني عن الحرب".

كانت قاعة الرياضة في ما مضى تعج بالناس إلا ان العدد تراجع واختلفت طبيعة روادها مع اجتياح القوات الروسية لخيرسون في آذار/مارس 2022 وثم بعد تمكن قوات كييف من تحريرها منذ عام.

Advertisement

وباتت تختلط حفنة من المراهقين مع رجال ملتحين في مقتبل العمر يعرضون عضلاتهم البارزة ويرفعون الأثقال الكبيرة.

وتؤكد أناستاسيا "أريد ان اختلط بأشخاص من عمري الناس الذين التقي بهم يكبرونني مرتين أو ثلاث مرات". وقد غادر الكثير من أصدقاء الشابة، ما جعل قاعة الرياضة هذه مكاناً جديدا للاختلاط الاجتماعي بالنسبة لها.

وفي الخارج، الشوارع مقفرة فيما يرتاد المقاهي خصوصاً جنود بلباس عسكري.

آثار "مدى الحياة"

تجلس اناستاسيا على مقعد في أحد المقاهي حاملة هاتفها الذي تتلقى عبره دروسها وأخباراً عن أحبائها.

مجموعة شباب في مقهى في خيرسون في جنوب أوكرانيا في 31 تشرين الأول/اكتوبر 2023 © رومان بيليبي / ا ف ب

Advertisement

وتحلم الشابة بحياة اجتماعية خارج نطاق الإنترنت.

وتقول "أود أن أرى الناس أخيراً. عندما ذهبت إلى ميكولايف لقضاء يوم، فوجئت برؤية مظاهر الحياة" في هذه المدينة الواقعة على بعد 60 كيلومتراً شمال غرب خيرسون.

وتحاول الفتاة الهروب من واقعها أيضاً عبّر متابعة دروس في التمثيل والمسرح، رغم منع التجمعات بسبب التهديدات الصاروخية. وتقول "نلتقي ضمن مجموعات صغيرة للتدرّب. الشعور بمشاعر أخرى، ولعب دور شخص آخر أمر مثير للاهتمام".

الخوف أثناء الاحتلال، والتوتر الناتج عن التفجيرات، وفرح التحرير، "مشاعر لا تُنسى" بالنسبة لأناستاسيا، تساعدها في التمثيل بشكل صحيح، ولكن آثارها ستبقى في داخلها "مدى الحياة".

وتضيف الشابة بمرارة "ليس من المفترض أن يختبر الشباب شعور موت أحبائهم".

Advertisement

وتؤكد أنها كبرت بشكل سريع جداً. وتقول "في السابق، كنت أفكر بالملابس التي أريد أن أرتديها، واليوم أفكر بما يجب أن أفعله تحت نيران العدو. تعلمت إعادة التفكير في حياتي بشكل عام".

وتأمل أن تحظى بمستقبل لا حروب فيه، لنفسها وللطفل الذي ترغب في إنجابه.

وتضيف "لا أعتقد أن المستقبل سيكون أفضل مما عشته قبل بضع سنوات".

"لا نريد البقاء في الداخل"

يحل الظلام سريعاً، والشوارع فارغة وحزينة يلفها ضباب كثيف، وتضئيها فقط مصابيح سيارات أثناء مرورها ولافتات متاجر قليلة ما زالت مفتوحة.

وتبرز شرفة مقهى "تشاو كاكاو" كنقطة مضيئة في أحد شوارع المدينة، ويعمل فيه الشاب ديما البالغ 18 عامًا، وهو يمضي وقته خارج العمل ممارساً لعبة الفيديو "كاونتر سترايك" في المنزل.

وكان الشاب الأشقر في المقهى مع مجموعة من أصدقائه مساء، يلتقطون صور "سيلفي" ويضحكون ويتحدّثون عن منازلهم التي دمرتها الغارات.

Advertisement

ويقول ديما "نخرج رغم القنابل. لا نريد أن نبقى في الداخل".

ويقول إنه قرر الالتحاق بالمدرسة البحرية بعدما فكر أبمغادرة البلاد. ويرى أن "الرحيل أمر قبيح. إنه خيانة".

ويضيف "إنها حرب سياسية. وسوف يأتي دوري في مرحلة ما. وليس لدي أي أمر آخر أقوم به على أي حال".

ويشعر هؤلاء الشباب بدورهم بأنهم كبروا بسرعة كبيرة أيضاً. ويلفت ديما إلى أنّ "الكبار يقولون أن المرء في الـ18 من عمره لا يعرف شيئًا، ولكن مع ما يحدث، أعتقد أن خبرتي باتت كافية لفهم الحياة".

ويعبّر هؤلاء الشباب عن رؤية واقعية للمستقبل، ففي حين يرى ديما نفسه على الجبهة، يحلم صديقه أنطون (18 عاماً) بأمر واحد قائلاً "أريد أن أعمل وأكسب المال لإعادة بناء منزلي".