في أواخر التسعينيات، وصف المستشار الأمني السابق لإدارة كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، أذربيجان وأوكرانيا بـ “المحاور الجيوسياسية” التي كانت بمثابة نقاط رئيسية لتشكيل القوة الإقليمية، نظرًا لموقعها الاستراتيجي على خطوط الصدع الأوروبية في فترة ما بعد الحرب الباردة.

تُظهر التطورات الحالية في وحول حدود هذه البلدان أنها لا تزال تلعب دورًا محوريًا في الجغرافيا السياسية الإقليمية، لا سيما في سياق تدهور النظام الأمني الأوروبي بعد الحرب الباردة.

Advertisement

وكما جادل بريجنسكي، سيكون مستقبل أذربيجان وأوكرانيا حاسمًا في تحديد ما يمكن أن تصبح عليه روسيا وما قد لا تصبح عليه، وبالتالي يجب على الغرب أن يسعى إلى مشاركة أوثق مع دولتي الشراكة الشرقية هاتين.

ومع ذلك، فإن النهج غير المتوازن الأخير لإدارة بايدن تجاه أرمينيا، حليفة روسيا، وأذربيجان قد ألقى بظلاله على الشراكة الاستراتيجية للولايات المتحدة مع الأخيرة.

كان يٌنظر إلى دعوة الرئيس الأمريكي لأرمينيا للمشاركة في قمة الديمقراطية في ديسمبر الماضي، مع استثناء أذربيجان وتركيا، على أنها بادرة لا داعي منها في وقت تتفاقم فيه الأزمة الأمنية في أوروبا، حيث تقدمت روسيا بمطالبها التي تتعلق بمناطق النفوذ والتي يرفض الغرب قبولها.

في الوقت نفسه، أثار لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع نظيره الأرمني أرمين غريغوريان في واشنطن يوم 15 ديسمبر لمناقشة التطورات على الحدود الأرمينية الأذربيجانية، غضب باكو حيث لم يُمنح الجانب الأذربيجاني فرصة مماثلة.

Advertisement

وقال الرئيس علييف إن التحيز المؤيد للأرمن في سياسة واشنطن في جنوب القوقاز هو شأن خاص بها، لكن يمكن أن يكون له تداعيات على العلاقات الثنائية مع أذربيجان.

بعد شهر، ومن المفارقات، كان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان هو الذي قفز على العربة الروسية لإرسال قوات إلى كازاخستان، كجزء من مهمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي تقودها روسيا لتضييق الخناق على الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وتجدر الإشارة إلى أن باشينيان، الذي تولى السلطة على خلفية الاحتجاجات الشعبية في عام 2018، وصف الاضطرابات المدنية في كازاخستان بأنها مدبرة من الخارج. ووفقًا لزعيم أرمينيا، كانت الاضطرابات كافية لتطبيق المادة 4 من ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي بشأن المساعدة المتبادلة.

Advertisement

ومن خلال المساهمة في جهود روسيا لدعم نظام استبدادي في الجوار، أظهرت يريفان، من ناحية، أوراقها في الانقسام العميق بين الغرب الديمقراطي وروسيا الاستبدادية. وكجزء من هذا “التحالف المقدس” مع روسيا وبيلاروسيا، أظهرت أرمينيا المدى الذي ترغب فيه للحفاظ على الاستقرار الاستبدادي في دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

من ناحية أخرى، فإن التدخل الوثيق لأرمينيا في شؤون الدولة الواقعة في آسيا الوسطى – الذي يُطلق عليه مجرد بيدق في استراتيجية روسيا في كازاخستان – لم يكن أكثر من خدمة لطموحات موسكو الإمبريالية الجديدة في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، حيث أصبحت مؤخرًا أكثر وضوحًا من خلال إنذار الكرملين للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

Advertisement

دعم يريفان لمغامرات الكرملين في الخارج ليس جديدًا: بالعودة إلى فبراير 2019، أرسل الجانب الأرميني جنودًا عسكريين، كجزء من المشاركة الروسية الواسعة، إلى سوريا. عادة ما يتجاهل المراقبون الغربيون هذه الخطوة أيضًا في عهد باشينيان، الذي تم الترحيب بوصوله إلى السلطة في عام 2018 باعتباره اتجاهًا جديدًا أكثر موالاة للغرب وأقل موالاة لروسيا في السياسة الخارجية لأرمينيا.

بالمقارنة مع أرمينيا، كانت سياسة أذربيجان تجاه روسيا حتى الآن أكثر دقة، مما يعطيها هامش خطأ أكبر فيما يتعلق بتعاملاتها مع جارتها الشمالية.

مع اقتصاد قوي نسبيًا وتحالفات متعددة الأوجه، تشارك باكو بشكل استباقي في التحول الجيوسياسي لحوض البحر الأسود وبحر قزوين الأوسع، حيث تعمل حليفتها تركيا مؤخرًا على تعزيز مكانتها الاقتصادية والعسكرية.

في مقابلة مع التلفزيون المحلي في 12 كانون الثاني (يناير)، صرح الرئيس علييف، في إشارة إلى المقترحات الأمنية الروسية سيئة السمعة، أن أذربيجان، وبناءً على قوتها الخاصة، مستعدة لأي احتمالات في حالة انهيار نظام العلاقات الدولية الحالي.

Advertisement

بعد يومين، وسط توترات متزايدة حول حدود أوكرانيا، زار الرئيس الأذربيجاني كييف بمناسبة الذكرى الثلاثين لاستقلالها والتقى بنظيره فولوديمير زيلينسكي. وفي بيان مشترك بعد الاجتماع، أعرب الزعيمان عن دعمهما المتبادل في مسائل السيادة ووحدة الأراضي، وأن كلاهما سيعمل على حماية حدودهما المعترف بها دوليًا.

في هذا السياق، اكتسب دعم أذربيجان المحسوب لأوكرانيا معنى جديدًا حيث تراجعت البلدان الأخرى المؤيدة للغرب، وخاصة جورجيا، وسط حالة عدم اليقين المتزايدة حول حدود أوكرانيا. باستثناء تغريدة وزير الخارجية ديفيد زلكالياني التي تعبر عن تضامنها مع كييف، ابتعدت القيادة الجورجية حتى الآن عن الدعم الصريح لقضية أوكرانيا.

Advertisement

القرار الذي تبناه البرلمان الجورجي في 1 فبراير حذف بشكل مثير للاهتمامالعدوان الروسي، مما دفع شخصيات المعارضة إلى اتهام النظام الحالي بغض الطرف عما يحدث لأقرب صديق مزعوم لتبليسي.

من المتوقع أن دعم أذربيجان الحذر لأوكرانيا في وقت أزمة أمنية حادّة وقدرتها على لعب دور محوري في أعقاب الحرب المحتملة – سواء كان ذلك من خلال إمدادات الطاقة أو مشاريع الاتصال أو الروابط الدبلوماسية- لم يمر مرور الكرام في الغرب.

بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل مفاوضات مع باكو بشأن شحنات الغاز الطارئة المحتملة، في حالة قيام روسيا بتقييد إمدادات الغاز إلى أوروبا كإجراء عقابي ضد العقوبات الغربية.

في 30 يناير، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، إن الاتحاد الأوروبي ينسق إجراءاته مع شركاء مثل الولايات المتحدة وقطر وأذربيجان لتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الانقطاعات المحتملة للإمدادات من روسيا.

في 4 فبراير، قام مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي ومفوض الطاقة كادري سيمسون بزيارة باكو لمناقشة إمكانية زيادة شحنات الغاز إلى أوروبا. أثناء حضوره الاجتماع السنوي للمجلس الاستشاري لممر الغاز الجنوبي، ووصف المفوض سيمسون المشروع بأنه “قصة نجاح مستمرة”، تساهم في أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي في بيئة سوق غير مستقرة بشكل متزايد.

في لقائه مع وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بيراموف، قال المفوض فارهيلي إن الاتحاد الأوروبي يعتمد على أذربيجان كشريك موثوق في إمدادات الطاقة، ويتمنى أن ينظر الجانب الأذربيجاني في زيادة كمية شحنات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان في المستقبل القريب.

وبدأت أذربيجان في إرسال غازها الطبيعي مباشرة إلى الأسواق الأوروبية منذ ديسمبر 2020. ومن خلال خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي (TAP) كجزء من ممر الغاز الجنوبي تم نقل أكثر من 8 مليارات متر مكعب من الغاز الأذربيجاني من حقل شاه دنيز 2 في بحر قزوين إلى اليونان وإيطاليا وبلغاريا في عام 2021، مما يوفر مصدرًا بديلاً وموثوقًا للإمداد للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وبحسب الرئيس علييف، ستصدر باكو حوالي 19 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2022، وسيتم توجيه أكثر من 8 مليارات متر مكعب من هذه الكمية إلى تركيا، كما سيتم بيع ما يزيد قليلاً عن 7 مليارات متر مكعب لإيطاليا.

وفي مقابلة أجرتها معه وكالة EFE الإخبارية الإسبانية في شهر أكتوبر، كرّر الرئيس الأذربيجاني أن باكو مستعدة لزيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها تحتاج إلى التفاوض حول اتفاقية جديدة لأنه “يجب عليك أولاً بيع الغاز ثم إنتاجه”.

وعلى الرغم من أن الكمية التي يمكن للجانب الأذربيجاني تقديمها لا تكفي في حد ذاتها لسد فجوة الطلب، إلا أنه لا يزال من الممكن أن تصبح بديلاً هامًا لسياسة تنويع الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

على هذه الخلفية، كان قرار الاتحاد الأوروبي بتخصيص حزمة مالية بقيمة 2 مليار يورو لأذربيجان للحفاظ على التكافؤ مع حجم الاستثمار في أرمينيا بموجب الخطة الاقتصادية والاستثمارية التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، خطوة حاسمة إلى الأمام، وستُضيف الخطوات المماثلة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية لهجة إيجابية للعلاقات الأمريكية الأذربيجانية في هذه الأوقات الصعبة بالنسبة للأمن الأوروبي.

 

روسف حسينوف- مدير مركز “توبشوباشوف”، وهو مؤسسة فكرية في باكو، أذربيجان.

حسابه على تويتر:  @RusifHuseynov2.

محمد محمدوف – زميل باحث في مركز توبشوباشوف.

حسابه على تويتر: @im_mammadov.

https://www.kyivpost.com/article/opinion/op-ed/how-the-west-can-leverage-azeri-influence.html