القوات الروسية تحتشد على حدود أوكرانيا، والقادة الغربيون ومسؤولو المخابرات يصدرون إنذارات ويهددون بفرض عقوبات، بينما هناك انزعاج وسط الرأي العام الأوكراني والسياسين ووسائل الإعلام، فيما يستعد الجيش الأوكراني للدفاع عن البلاد.

هذا هو المشهد العام في الأشهر الأخيرة حيث تصعد روسيا حشدها العسكري من عدة اتجاهات.

الحرب شيء فظيع نأمل جميعًا في إمكانية تجنبه، ونأمل أيضا أن تنتهي فترة التوتر هذه بنفس الطريقة كما في مناسبات سابقة – مع تراجع القوات الروسية إلى ثكناتها وتلاشي الخطر (على الأقل مؤقتًا). ومع ذلك، نحن بحاجة إلى فهم مختلف العواقب للغزو الروسي المحتمل، إلى جانب العواقب العسكرية.

Advertisement

إذن، ماذا سيحدث للاقتصاد الأوكراني إذا جرى ما لا يمكن تصوره وشنت روسيا غزوًا؟

من المحتمل أن تخبرنا الغريزة أن التأثيرات ستكون مدمرة ، لكن الحقيقة يمكن أن تكون أكثر دقة.

يمكن القول إن الكرملين لا يخطط للتورط في حرب استنزاف طويلة (جرى هذا السيناريو في مناطق الدونباس). لذا، فإن السيناريو الذي ندرسه هو صراع قصير نسبيًا، والذي سيؤثر بلا شك على الاقتصاد بعدّة طرق.

أولاً، هناك الأثر المالي. أوكرانيا تعتمد على الاستثمار الأجنبي للحفاظ على ماليتها العامة واقتصادها قائمين. وبطبيعة الحال، فإن أي صراع عسكري مفتوح سوف يخيف المستثمرين، مما يشكل خطرًا على الاستقرار المالي وخطرًا على العملة الوطنية الهريفنة.

Advertisement

ومع ذلك، وبفضل سياسات الاقتصاد الكلي الحكيمة – النقدية والمالية – التي تم تبنيها بعد ثورة الميدان، فإن البلاد في حالة جيّدة نسبيًا، فقد تجاوزت احتياطيات البنك الوطني مؤخرًا 30 مليار دولار، وستُستخدم بالطبع في هذا النوع من الأزمات للحفاظ على قيمة العملة الوطنية وتوفير الدعم للنظام المالي.

إن العجز المالي المتوقع والبالغ 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي منخفض نسبيًا ولا شك أنه في حالة صراع مفتوح مع روسيا، فإن الشركاء الغربيين والمؤسسات المالية الدولية سيقدمون الدعم المالي للدولة الأوكرانية، كما فعلوا في عام 2014.

وإذا كان الصراع قصيرًا، فيجب أن تكون هذه الموارد كافية لتخفيف الأثر المالي للحرب.

Advertisement

ثانيًا، هناك تأثير تجاري واقتصادي أوسع. مما لا شك فيه أن العديد من الصناعات سيتعين عليها التحول مؤقتًا إلى وضع التعبئة العسكرية- على سبيل المثال، يخدم النقل بالسكك الحديدية بشكل أساسي الاحتياجات العسكرية، بينما يتعين على قطاع الطاقة التركيز على ضمان إمدادات آمنة ومستقرة لدعم الجهد العسكري.

ستتجمد القطاعات الأخرى مؤقتًا مع قلة عدد الأشخاص الذين يتوجهون إلى المقاهي وأماكن الترفيه، وسيتم تعليق المشاريع الاستثمارية الجديدة حتى يتم حل النزاع.

في بعض النواحي، هناك أوجه تشابه مع عمليات الإغلاق التي سببها فيروس كورونا، حيث لها تأثيرات مدمرة، لكنها بالتأكيد ليست قاتلة للاقتصاد وليست مقدمة لكساد اقتصادي طويل الأمد، وستمر في اللحظة التي يمكن أن تستأنف فيها الحياة الاقتصادية الطبيعية.

لا يسعنا إلا التكهن بما ستكون عليه الأهداف العسكرية الروسية في صراعها مع أوكرانيا، ومن بين السيناريوهات المحتملة احتلال مناطق واسعة من البلاد. ويمكن أن تكون إحدى هذه الخطوات احتلال المناطق الساحلية الجنوبية لأوكرانيا، وفصل البلاد عن البحر والسماح لروسيا بإنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم المحتلة بالفعل.

Advertisement

سيكون لهذا النوع من الخسارة الإقليمية بالطبع، تأثير اقتصادي سلبي هائل من خلال الفقدان المباشر للناتج المحلي الإجمالي للأراضي المحتلة حديثًا، وبشكل غير مباشر سيتم قطع سلاسل الإنتاج الحالية ويؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الإنتاج في المناطق غير المحتلة. كما سيكون الاستيلاء على الجنوب، والذي يعتبر أحد الأهداف العسكرية الروسية مدمرًا بشكل خاص، حيث يعتمد الاقتصاد الأوكراني على صادرات السلع التي يتم تسهيلها في الغالب من خلال الموانئ البحرية.

من الواضح أن مرونة أوكرانيا الاقتصادية في مواجهة الغزو الروسي تعتمد بشكل كبير على قدرة الجيش ووحدات الدفاع الإقليمية على حماية أراضي البلاد من الاحتلال. إذا تمكنوا من حرمان روسيا من القدرة على الاستيلاء على مناطق رئيسية في أوكرانيا والسيطرة عليها ، فيمكن للبلاد أن تتغلب على هذه العاصفة، أما إذا استولت روسيا على مناطق رئيسية (الجنوب على وجه الخصوص)، فستكون الخسائر أكبر بكثير.

Advertisement

هذا النوع من التحليل يعتمد بالطبع على الوضع العالمي “كما هو”، حيث تُصنف أوكرانيا على أنها اقتصاد صغير مفتوح يعتمد على الصادرات التي تشكل 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتدفقات الاستثمار الأجنبي، ويمكن أن يتأثر هذا النوع من الاقتصاد بشدّة بالأحداث الخارجية السلبية. (إذا عطس العالم، فإن أوكرانيا تمرض).

تعاني منطقة أوراسيا بالفعل من أزمة طاقة، وقد ضرب ارتفاع التضخم الآن العالم كله. وخلقت حالات التخلف عن السداد بين شركات قطاع البناء الضخمة في الصين مخاوف في الأسواق المالية الكبرى. وباختصار، هناك احتمال لحدوث أزمة اقتصادية أو مالية كبيرة في العالم، على الرغم من أننا لا نستطيع التأكيد مسبقًا متى سيحدث ذلك بالضبط.

Advertisement

مثل هذه الأزمة ستجعل الوضع الاقتصادي لأوكرانيا أكثر عرضة للخطر بشكل تلقائي، حيث سيتعين إنفاق احتياطيات البنك الوطني الأوكراني والمساعدات الخارجية للحفاظ على الاقتصاد قائما، كما ستكون التجارة التي تعتمد على الصادرات في وضع أسوأ بكثير بسبب الأزمة العالمية. وفي ظل هذه الظروف ، قد يكون كافياً لروسيا أن تخلق ببساطة اضطرابًا عسكريًا – دون احتلال أي مناطق رئيسية – لإجبار أوكرانيا على الدخول في أزمة اقتصادية كبيرة.

ربما تكون هذه هي الفرصة التي تبحث عنها روسيا بالضبط، ومن المهم للقادة الأوكرانيين والغربيين فهم هذه الاستراتيجية ومواجهتها، وتعزيز المرونة الاقتصادية للبلاد، وذلك من خلال تكثيف الإصلاحات وتحسين مناخ الاستثمار في أوكرانيا.

 

إخلاء المسؤولية: إن Kyiv Post ليست مسؤولة عن أي محتوى في هذه المقالة، والتي تعبر عن وجهة النظر الشخصية للمؤلف فقط.

https://www.kyivpost.com/article/opinion/op-ed/potential-impact-on-ukraines-economy-if-russia-strikes-again.html