لقد ولدت في "كييف "إبّان زمن  الاتحاد السوفيتي ، وذهبت إلى المدرسة الثانوية الروسية، لذا فأنا مثالٌ نموذجي  على أولئك الأشخاص الذين يزعم فلاديمير بوتين أنه  يحاول"حمايتهم" في أوكرانيا ممن سمّاهم النازيين الجدد!

و بهذا الهدف المعلن في فبراير  2022 بدأت روسيا حربا ضروسا على بلدنا المسالم  ، و أتت تلك  الحرب  الظالمة على الأخضر واليابس، وبدأت القنوات العربية في البحث عن الأوكرانيين الناطقين باللغة العربية لتغطية تطورات الحرب.

Advertisement

و منذ فبراير ٢٠٢٢ ، أجريتُ مقابلات مع جميع القنوات العربية الكبرى ، وتناقشت مع خبراء من  جميع أنحاء العالم ،  وأدليتُ  بآرائي من داخل البلاد. في الوقت نفسه على رغم من جهودي و جهود الأوكرانيين الناطقين باللغة العربية و الصحفيين العرب العاملين في أوكرانيا ما زالت هناك أكاذيب البروباغاندا الروسية تسود في الساحة الإعلامية العربية!

و نظرا لذلك أريد أن أدحض بعضا من هذه الأكاذيب في هذا المقال.

لقد عشتُ في أوكرانيا طيلة  حياتي ، و على الرغم من أنني أمتلك جذورًا عرقية روسية بنسبة 100 ٪ تقريبًا ، فإنني أطلق على نفسي " عاشق اللغة الأوكرانية "!

 لقد سافرت إلى  جميع أنحاء البلاد ، وزرت "القرم  " قبل احتلالها ، وذهبت إلى "لفيف" الناطقة بالأوكرانية حيث يمكنني التحدث بحرية باللغة الروسية، و حضرت إحدى مباريات كرة القدم في يورو  في 2012 في دونستك الناطقة باللغة الروسية، وحيث يمكنني أيضًا التحدث بحرية باللغة الأوكرانية.

Advertisement

أتكلم  بالأوكرانية للتحدث مع زملائي، وأكتب  منشوراتي على وسائل التواصل الاجتماعي ،و ما زلت أتحدث الروسية مع العديد من أصدقائي وكذلك والدي.

هناك فرق كبير قد لا يفهمه أحد خارج أوكرانيا ، وهو  أن هناك الملايين من الأوكرانيين الناطقين بالروسية الذين لم يرغبوا أبدًا في أن تكون أوكرانيا مع روسيا، حتى قبل الغزو  في عام 2022 وقبل احتلال شبه جزيرة القرم ودونباس .

أظهرت  استطلاعات الرأي حتى عام 2014 من قبل معهد كييف  لعلم الاجتماع بشكل مقنع أنه في سنوات مختلفة كان لدى 80-90٪ من الأوكرانيين موقف جيد تجاه روسيا ، بل كان أكثر من 90٪ كان لديهم موقف جيد تجاه الروس، وكذلك أراد أن يعيش في دول مستقلة ولكن صديقة.

Advertisement

 وخلص الاستطلاع الذي أجري قبل أسابيع من الغزو الشامل إلى أنه في منطقتي دونيتسك ولوهانسك غير المنفصلتين (المناطق التي تسيطر عليها الحكومة)، يعتقد 84% أن أوكرانيا وروسيا يجب أن تكونا دولتين مستقلتين، في حين يؤيد 14% فقط التوحيد. وبعد غزو عام 2022، اعتبر غالبية الأوكرانيين (95٪) أن روسيا نفسها دولة معادية بشكل حصري.

من الخطأ الافتراض أن كل من بقي في الأراضي المحتلة منذ عام 2014 هم من أنصار روسيا، حيث  لم يتمكن كل من أراد مغادرة منطقة النزاع من القيام بذلك.

 برأي نازحين  من  مدن متفرقة،  فإن  أولئك الذين لديهم موارد مالية كافية فقط هم القادرون على التحرك، في حين أن أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الانتقال أو البقاء مؤقتًا في منطقة أخرى اضطروا إلى البقاء في منازلهم، وفي الحالات التي لم يتمكن فيها أحد أفراد الأسرة من السفر بسبب الإعاقة أو مشاكل صحية أخرى، بقيت الأسرة بأكملها أو بعض أفرادها في المنزل لرعايتهم.

Advertisement

كان العديد من الأهالي يخشون مغادرة منازلهم، لاعتقادهم أن قوات الاحتلال ستصادر ممتلكاتهم أو تنهبها.

الأسطورة الكبرى التي تحاول روسيا نشرها هي أن هناك الكثير من الأشخاص الناطقين بالروسية في أوكرانيا الذين تعرضوا للتمييز بسبب لغتهم، والذين يريدون أن يكونوا جزءًا من روسيا.

وباعتباري شخصًا من أصل روسي ويتحدث اللغتين الأوكرانية والروسية بطلاقة، و سافر عبر البلاد بأكملها، بداية من الغرب الناطق باللغة الأوكرانية، مرورا بالشرق الناطق بالروسية، وانتهاء  بشبه جزيرة القرم قبل الاحتلال - أشهد أنني لم أواجه  أي مشاكل في التمييز بسبب اللغة  .

الشيء الأكثر أهميةً و يفهمه عدد قليل جدًّا من الناس خارج أوكرانيا هو أننا-  الأوكرانيين- كنا نتحدث الروسية ، ونشاهد  الأفلام ، ونتابع  وسائل الإعلام باللغة الروسية ، ولكن في أي وقت كنا نتحدث فيه، كان علينا التعبير عن آرائنا السياسية أو التحدث عن قيمنا - أردنا دائمًا الاستقلال ولا شيء سواه!

Advertisement

 أثناء ممارسة لغتنا الأم بحرية، اعترفنا دائمًا بحق أوكرانيا في أن تكون الأوكرانية هي لغتها الرسمية ، ولم نرغب أبدًا في أن تصبح لغتنا الأم الروسية اللغة الرسمية الثانية في بلادنا.

خلال ثورة الكرامة في 2013-2014 في ساحة الاستقلال ، كان نحو نصف المتظاهرين يتحدثون الروسية ، لكنهم خرجوا للاحتجاج على الرئيس السابق المدعوم من روسيا فيكتور يانوكوفوتش ، والذي ولُى هاربا  من البلاد نتيجة لتلك الاحتجاجات.

الآن  نحو  50 ٪ من الجنود الأوكرانيين الذين يقاتلون ضد المعتدين الروس الذين يتحدثون الروسية .

Advertisement

لذا، عندما تدّعي روسيا حقيقة وجود أشخاص يتحدثون الروسية في أوكرانيا،  واعتبار  ذلك   حق روسيا "التاريخي" في احتلال بعض الأراضي، فهذه كذبة كبرى !

إن حقائق التاريخ التي لا مراء فيها  تقول إن  أوكرانيا كدولة هي تاريخياً أقدم بكثير من روسيا، حيث  تأسست كييف، عاصمة أوكرانيا ، في القرن السادس بعد الميلاد ، بينما تأسست موسكو في القرن الثاني عشر فقط.

 وكانت موسكو  منذ بضعة  قرون تقريبًا تحت سيطرة "كييف".

عندما منح زعيم الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروتشوف شبه جزيرة القرم لأوكرانيا عام 1954 ، استبدل شبه جزيرة القرم بمنطقة تاجانروج التي كانت من ضمن المناطق التابعة للجمهورية الأوكرانية وقتذاك.

لكن بالطبع هذا هو التاريخ، فماذا عن الحاضر ؟

تزعم روسيا- كذبا-  أن  مواطني شرق وجنوب أوكرانيا عبروا عن رغبتهم في أن يكونوا جزءًا من روسيا، ولا يدري أحد كيف نظّمت روسيا الاستفتاء  بدون أسس قانونية ، ولا مراقبين للمنظمات الدولية .

وهل يعرف أحد عدد الأشخاص الذين صوتوا بالفعل للانضمام إلى روسيا في مواجهة البنادق الروسية؟!

لذلك ، حتى لو تم تنظيم استفتاء عادل لهذه المنطقة لتصبح جزءًا من روسيا ، فعلى أي دولة تريد أن تعرف الحقيقة أن تسأل أراء النازحين الذين كانوا مقيمين بهذه المناطق و غادروها في ٩ سنوات ماضية منذ بداية الاحتلال. فان جهة سفر الأغلبية العظمى لهم كانت أوكرانيا و دول الاتحاد الأوروبي و ليست روسيا. و هذه عبارة واضحة عن أراءهم في هذا الاستفتاء المفترض.

الآن و بعد أن قصفت روسيا المباني وقتلت الأطفال اليتامي،  والنساء الثكالى، وتركت  مئات الآلاف  من الناس بدون منازل وكهرباء  ومياه ، بل  يشهد العالم كيف حاولت روسيا  تجميد الشعب الأوكراني في الشتاء الماضي، وربما ستحاول أن تفعل الشيء نفسه في الأشهر القليلة المقبلة .

ونتيجة لذلك، فإن النسبة المئوية لدعم الأوكرانيين- الاتحاد الروسي حتى في الأراضي المحتلة في أوكرانيا التي تخضع الآن لروسيا قد انخفض  إلى الصفر.

علاوةً على ذلك ، فإن الأشخاص الذين عاشوا في أوكرانيا لعقود من الزمن ،ويتحدثون الروسية يتحولون الآن طواعيةً إلى اللغة الأوكرانية.

و نادرًا ما سترى شخصًا ينشر باللغة الروسية في وسائل التواصل الاجتماعي الأوكرانية ، أو يقوم بفيديو Tiktok أو Youtube.

 إن الواقع الذي لا تخطئه العينُ  أن روسيا لا تهاجم بلادنا  عسكريا  فقط، بل إنها  تشن حملة إعلامية بمواردها الخاصة باستخدام علاقات وثيقة مع بعض وسائل الإعلام العربية ، لنشر الأكاذيب الروسية دون أي توثيق.

من الأكاذيب الأكثر شيوعًا  ما يقال  عن   المختبرات البيولوجية السرية أو انتشار الأيديولوجية النازية للشعب الأوكراني ، وهو أمر سخيف لأي أوكراني في الشرق أو الجنوب أو الغرب.

 قبل أول عمل  عدواني لروسيا ضد أوكرانيا في عام 2014 ، لم يكن  يسجل  عمل واحد من أعمال العنف أو التمييز على أساس اللغة أو العرق  في اوكرانيا.

 وحتى بعد أن احتلت روسيا بعض الأراضي،  استمر  تداول  كلتا  اللغتين بحرية في كل منطقة من أوكرانيا.

لكن ما فعلته روسيا بغزوها، بغض النظر عن كيفية انتهاء الأعمال العدائية ، أنهى الأخوة الروسية الأوكرانية والصداقة والعلاقات الاقتصادية الجيدة.

فماذا بعد قتل  مئات الآلاف من الأوكرانيين، معظمهم من الناطقين بالروسية، بما في ذلك الأطفال والنساء ؟

كل هذه الويلات التي مارستها  روسيا  ضد شعبنا المسالم  جعلت من التفاوض بشأن أي تنازلات على الأراضي الأوكرانية  أوالقبول بضمانات أمنية ، والوضع المحايد  من الأمور المستحيلة .

غالبية الأوكرانيين  يؤمنون بأن أي رئيس لأوكرانيا  سيجرؤ على الإقدام على مثل هذه التنازلات غير المقبولة ، سيسقطه الشعب  الأوكراني  من خلال  ثورة  شعبية  في غضون ساعات .

 لذلك عندما يدعو خبراء من أكبر دول الغرب ،وكذلك من دول العالم العربي لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات مع روسيا ، فقط  أود أن أسألهم:

هل تتفاوض مع جارٍ اقتحم منزلك واغتصب زوجتك؟ وقتل أطفالك وادّعى أن له حقًا "تاريخيًا" في أن يشغل غرفة  نومك ؟

 أُعلنها مدويةً على الملأ، وفي مشارق الأرض ومغاربها   :

 حتى إذا سئم الغرب من دعم أوكرانيا، وتوقف عن توفير الأسلحة ، فلن تتخلى أوكرانيا أبدًا عن معركتها من أجل استرداد  كل   أراضيها  ، ويوما ما  وعما قريب ، سيعود كل   إنسان حُرم  قسرا وبشكل  وحشي من حقه  في العيش على تلك الأرض التي اتسعت للجميع  ،  ويومئذ  سينعمون بالتحدث بلغتهم المحببة.

الحرية - التي لا يمنحها أي محتل ولن يمنحها-   آتيةٌ لا ريب فيها ، وكل آت قريب