"رقمي!! كل ما يمكن رقمنته يجب أن يكون رقمياً"، هذا ما أعلنه وزير الدفاع الأوكراني المعين حديثاً خلال جلسة برلمانية عامة بالغة الأهمية في 6 سبتمبر 2023، حيث ناقش رقمنة العمليات العسكرية وبطاقات تذاكر الجنود. ويعد هذا البيان الحازم بمثابة استمرار طبيعي لرحلة التحول الرقمي الرائعة في أوكرانيا.

وبالعودة إلى قمة دافوس 2022، حصلت أوكرانيا بالفعل على لقب "النمر الرقمي" من أوروبا ــ وهو وسام تستحقه عن جدارة. وفي غضون أربع سنوات فقط، قفزت أوكرانيا من المركز 82 إلى المركز 46 في مؤشر التنمية الحكومية الاقتصادية في العالم، وهو دليل على التزامها المستمر بالتقدم الرقمي. ومنذ عام 2019، تسير أوكرانيا بثبات نحو أن تصبح دولة رقمية رائدة، متفوقةً على العديد من نظيراتها الإقليمية.

Advertisement

ولقد كانت أوكرانيا لعدة سنوات رائدةً في بعض أبرز التطورات الرقمية العالمية. على سبيل المثال، كانت هي أول دولة في العالم تعترف رسمياً بالهوية الرقمية كوثيقة قانونية، وكانت واحدةً من أوائل الدول التي طبقت شهادة كوفيد-19 الرقمية في أوروبا. كما أنها تستثمر بكثافة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وهي الآن موطنٌ لعدد كبير ومتزايد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

القفزة الرقمية: كيف أصبحت أوكرانيا رقمية قبل الغزو الشامل الذي تعرضت له

شرعت أوكرانيا في رحلة التحول الرقمي في عام 2015، حيث قدمت نظام المشتريات "بروزوررو"، وهي بوابة البيانات الإلكترونية، مع التركيز القوي على الشفافية والمسؤولية المالية. ولقد مهّدت هذه المبادرات التأسيسية الطريق لأجندة رقمية أوسع. وفي الوقت نفسه، شهد عام 2016 بداية الإصلاحات المهمة في مجال الرعاية الصحية، والتي أدت في النهاية إلى الاعتماد الكامل للسجلات الطبية الإلكترونية واعتماد إحالات الأطباء الإلكترونية بحلول عام 2020.

Advertisement

في عام 2019، حدثت لحظة محورية مع إنشاء ’وزارة التحول الرقمي‘. وتأسست هذه الوزارة بهدف الوفاء بوعد الرئيس زيلينسكي بتحويل أوكرانيا إلى "دولة رقمية في هاتف ذكي". وكان الهدف هو تعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، وتبسيط العمليات الإدارية المعقدة، وأن يتم كل ذلك بنقرة واحدة.

كانت إحدى اللحظات الحاسمة في التطور الرقمي في أوكرانيا هي إطلاق تطبيق ’ديا‘ والخدمات التابعة له تحت مظلة ’ديا‘. وأحدثت هذه البوابة المتعددة الوظائف ثورةً في الطريقة التي يتعامل بها المواطنون مع الحكومة، مما يسمح للأوكرانيين بإدارة المهام المختلفة بسهولة، بما في ذلك تسجيل الإقامة، وطلبات التقاعد، وطلبات دعم الإسكان، ومطالبات إعانات البطالة ــ وأصبح كل ذلك يمكن الوصول إليه من خلال الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة.

Advertisement

وبالنسبة للشركات، قدمت أوكرانيا نظام ’ديا سيتي‘، وهو نظام قانوني وضريبي متخصص مصمّم لجذب شركات تكنولوجيا المعلومات؛ فهو يقدم حوافز مغرية، بما في ذلك معدل ضريبة ثابت تنافسي بنسبة 5%، ومتطلبات إعداد التقارير بصورة مبسطة، وإمكانية الوصول بدون تأشيرة للموظفين الأجانب. وقد حصلت ’دييا سيتي‘ على اعتراف واسع النطاق في قطاع صناعة تكنولوجيا المعلومات، مما جعل أوكرانيا وجهة جذابة للغاية للاستثمار الأجنبي.

Advertisement

وهناك مبادرة أخرى مهمة هي ’تعليم ديا الرقمي‘، وهي منصة تقدم دورات مجانية عبر الإنترنت. وتقدم هذه المنصة دورات تدريبية حول مجموعة متنوعة من المواضيع، بدءًا من البرمجة وحتى الإدارة وصناعة الخبز. ويهدف ’تعليم دييا الرقمي‘ إلى مساعدة الأوكرانيين على تطوير مهاراتهم للعثور على وظائف جديدة، مع التركيز على المهارات الرقمية اللازمة للنجاح في اقتصاد القرن الحادي والعشرين.

الرقمنة في زمن الحرب

ومع اندلاع الحرب واسعة النطاق في عام 2022، فإنه على الرغم من توقعات روسيا، أصبحت التكنولوجيا الرقمية هي شريان حياة للعديد من الأوكرانيين. وكانت روسيا قد شنت عدداً كبيراً من الهجمات الإلكترونية على خدمات الدولة قبل الغزو، متوقعةً انهيار البنية التحتية الرقمية وإحداث الفوضى في البلاد. ومع ذلك، صمدت أوكرانيا في وجه الهجمات، وفي الأيام الأولى من الغزو، أطلقت خدمات حيوية جديدة في ’ديا‘. وقد زاد عدد مستخدمي ’ديا‘ بنسبة 20% منذ بداية الغزو واسع النطاق، وهو يبلغ الآن 18.6 مليوناً - أي نصف سكان أوكرانيا. وذلك لأن ’ديا‘ نجح في تلبية الاحتياجات الملحة في زمن الحرب – وهي البقاء على اتصال، ومواكبة الأخبار الموثوقة، وتغيير مكان التسجيل، والتبرع للجيش، وغير ذلك الكثير.

Advertisement

بالإضافة إلى ’ديا‘، اتخذت الحكومة الأوكرانية أيضاً خطوات أخرى لتعزيز أمنها الرقمي. ولقد دخلت في شراكة مع عمالقة التكنولوجيا العالمية لنقل بياناتها المهمة إلى السحابة cloud في الخارج، من أجل حمايتها من الهجمات السيبرانية وضمان توافرها في حالة لو حدث تلف في البنية التحتية المادية.

وقد دخلت الحكومة، بما في ذلك وزارة الثقافة وسياسة المعلومات، إلى جانب وزارة التحول الرقمي، في شراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والقطاع الخاص، لمواجهة الدعاية الروسية والمعلومات المضللة في كل من أوكرانيا وخارجها.

Advertisement

ومع تعيين وزير الدفاع الجديد، ينبغي للمرء أن يتوقع بذل جهود متسارعة لرقمنة الوزارة وجميع الخدمات الحيوية المتعلقة بالجيش. ومن بين الأولويات الرئيسية لهذا المنصب، أدرج الوزير عميروف إنشاء نظام رقمي للتخطيط المسبق والتنبؤ باحتياجات الجنود. وعلاوة على ذلك، صار يجب أن تكون جميع المعلومات المتعلقة بالجندي رقمية: بطاقة هوية عسكرية إلكترونية، وما يخص مجلس التقييم الطبي العسكري والمستشفيات، ومجلة إلكترونية، والتقرير العسكري. وبالتالي، فإن الدفاع الأوكراني، المجهز بالفعل بالتكنولوجيا العسكرية، سيصبح أكثر رقمية.

خطة مارشال الرقمية: كيف تخطط أوكرانيا للتطوير في المستقبل

إن الرؤية لمستقبل أوكرانيا هي رؤية التحول الرقمي الكامل؛ وهي تتصور أمة ذات نظام ضريبي عالمي المستوى، وتكنولوجيا دفاعية متطورة، وإدارة عامة تتسم بالكفاءة. ويتمثل الهدف الطموح في جعل جميع الخدمات العامة متاحة عبر الإنترنت بحلول عام 2030، مع تقديم دفعة كبيرة لرقمنة الخدمات الرئيسية هذا العام.

وفي قلب هذا التحول، يكمن الهدف الاستراتيجي المتمثل في جعل أوكرانيا واحدة من مراكز تكنولوجيا المعلومات الرائدة في أوروبا، حيث يساهم الاقتصاد الرقمي بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي. وتتمحور أولويات وزارة التحول الرقمي، على المدى القريب والمتوسط، حول التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والواقع المعزّز وتعلم الآلة.

إن أحد المشاريع البارزة في هذا المجال هو الحكومة الثنائية BI-Government، وهو تعاون بين وزارة التحول الرقمي وهيئة الإحصاء الحكومية. وتهدف هذه المبادرة إلى تحسين عملية صنع القرار على مستوى الولايات / المحافظات، وتسخير قوة الرؤى المستندة إلى البيانات الرقمية.

ومع ذلك، يظل التركيز بقوة منصبّاً على تكنولوجيا الدفاع باعتبارها حجر الزاوية في المستقبل الرقمي لأوكرانيا. وإدراكاً للاهتمام العالمي وإمكانات الاستثمار في هذا القطاع، تستعد الوزارة لتصدير ابتكاراتها دولياً، مما قد يؤدي إلى ظهور جيل جديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

وأخيراً، تتفق الحكومة بشكل موحد على أن التكنولوجيا الرقمية ستلعب دوراً كبيراً في جهود إعادة الإعمار. وتجسد منصة دريم (الحلم) DREAM استخدام الحلول الرقمية في عملية الإشراف على إعادة الإعمار، مما يوضح التزام أوكرانيا بالتقدم التكنولوجي على كل المستويات.

كيف يمكن للشركات العالمية الكبرى للتكنولوجيا أن تساعد

إن خطط الحكومة الأوكرانية للمستقبل طموحة، ولكنها قابلة للتحقيق. ومن خلال الدعم المناسب، يمكن لأوكرانيا أن تصبح دولة رقمية رائدة ولاعباً رئيسياً في الاقتصاد العالمي. وقد أكد نائب رئيس الوزراء، فيدوروف، أن المستقبل الرقمي لأوكرانيا يتصور أيضاً شراكة وثيقة بين الحكومة والجهات الفاعلة التكنولوجية الرئيسية، بهدف تحويل أوكرانيا إلى المعادل الأوروبي لإسرائيل - وهي دولة معروفة بابتكاراتها التكنولوجية.

فيما يلي بعض أهم الطرق التي يمكن للشركات المشاركة بها:

  • تعزيز رأس المال البشري: تعال وقم بتثقيف وتعليم المجموعة الموهوبة من متخصصي تكنولوجيا المعلومات والجمهور، أو استثمر في برامج التدريب والتعليم في مجالات مثل الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، وتعلّم الآلة؛
  • إنشاء مراكز البحث والتطوير ومراكز البيانات: تعتبر أوكرانيا موقعاً جيداً لمراكز البيانات، نظراً لانخفاض تكاليف الطاقة فيها وبسبب موقعها الاستراتيجي؛
  • استئناف العمليات الأوكرانية: لقد غادرت العديد من الشركات أوكرانيا عندما بدأ الغزو واسع النطاق أو مع توقف عن الاستعانة بمصادر خارجية في أوكرانيا. ولقد أثبت قطاع تكنولوجيا المعلومات قوته وحيويته خلال الحرب، لذا لا ينبغي أن نتردد في العودة؛
  • المساعدة في جهود إعادة الإعمار: ومن الممكن أن تأتي الشركات بمقترحات تقدم حلولاً رقمية، بما في ذلك حلول لإدارة مشاريع البناء، وتتبع تسليم المساعدات، وتقديم الخدمات المالية؛
  • إعادة بناء البنية التحتية الرقمية: لقد دمر الغزو الروسي قدراً كبيراً من البنية التحتية الرقمية في أوكرانيا، بما في ذلك محطات الاتصالات وخطوط الإنترنت وما إلى ذلك. ويمكن للشركات أن تساعد في إعادة بناء هذه البنية التحتية من خلال توفير التمويل والخبرة؛
  • دعم الشركات الناشئة: تتمتع أوكرانيا بمشهد قطاع أعمال ناشئ نابض بالحياة. ويمكن للشركات المساعدة في دعم الشركات الناشئة من خلال توفير التمويل والإرشاد وتمكين الوصول إلى الأسواق.

يعد التحول الرقمي في أوكرانيا فرصةً عالميةً للشركات للمشاركة في نمو وصمود دولة تستعد للنهضة الرقمية. ومن خلال الانخراط بنشاط في هذه العمليات، يمكن للشركات أن تساعد في تشكيل مستقبل أكثر إشراقاً وأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية لأوكرانيا، مع المساهمة أيضاً في مجتمع التكنولوجيا العالمي الأوسع.